Wednesday, April 15, 2015

ملحدون.. والحمد لله

كانت كافيهات ومقاهى وسط البلد فى فترة ليست بعيدة تعج بزخم كبير من مختلف الأوساط الثقافية والاجتماعية ومراحل عمرية، مما يصنع ثراء كبيرا فى تلك المنطقة منذ فترة طويلة فى هدوء وسكينة وسلام.



ومنذ فترة وجيزة هجم رئيس حى عابدين وبعض أهالى المنطقة على مقهى هناك يقع فى شارع الفلكى بسبب ادعائه بأن عددا كبيرا من الملحدين يجلسون على المقهى، مما دفع الملحدين الى الرجوع أدراجهم إلى عالم الفيس بوك للعثور على كافيه أكثر رحابة لنيل حريتهم التى يكفلها الدستور.
على أرض الواقع ينظم العديد من الملحدين فى مصر والعالم العربى مواعيد ولقاءات لعرض الأفكار والتعارف فيما بينهم، وتختص مقاهى وسط البلد بهذه اللقاءات، وكذلك كافيهات حى المهندسين.
ويتم تنظيم اللقاءات عبر صفحات الفيس بوك التى تتعرض للإغلاق  بسبب البلاغات التى تتعرض لها من الصفحات السلفية.
وفى تصريح لأحد المنظمين - رفض ذكر اسمه - قال: «وجودنا على الأرض أكبر دليل على عدم ضعفنا وقوتنا وعدم خوفنا من إخفاء هويتنا الحقيقية».
ومؤخرا تم إلغاء اللقاء الذى تم تنظيمه مسبقا من قبل الصفحة وكان يستهدف التعارف بين جميع أعضاء الصفحة على مقهى شهير بشارع مظلوم بوسط القاهرة، ولكن ريبورتات الصفحات السلفية كانت لهم بالمرصاد وتسببت فى إغلاق الصفحة للمرة الثالثة على التوالى لينقطع التواصل مرة أخرى بين أعضاء الصفحة.
وفى الفترة الأخيرة أثيرت ضجة كبيرة حول إسلام بحيرى وأفكاره التى يعرضها على قناة القاهرة والناس، أفكاره ليست بجديدة فهى عرضت من قبل، لكن الجدل الذى تحرك فى الأفق هو تعرضه للذات الإلهية ومشايخ الأزهر، أما من حيث الفكر المعارض للدين الإسلامى والتشكيك به فيأتى فى المقام الأول برنامج «الأخ رشيد» الذى يقوم بالاستناد إلى الوقائع التاريخية والعلوم المجردة فى انتقاد الدين الإسلامى بالأدلة والبراهين والمناظرات بين علماء الدين وفلسفة الأديان الذى يعرض حلقاته على إحدى القنوات المسيحية واليوتيوب.
ومن البرامج المثيرة للجدل أيضا برنامج آخر ينتشر على اليوتيوب ينتقد الإسلام ويسب فى الأديان بشكل مباشر، ويعرض أفكاره على الملأ فى صفحته على الفيس بوك، مما دعا الأزهر إلى فكرة «مقدرش على رشيد .. فاتشطر على بحيرى»، فالأمر ليس الا رد اعتبار للأزهر الذى يعتبر مشايخه قبلته الأولى والأخيرة.
∎ الفيس بوك:
يعتبر المنبر الأول والمتنفس الأعظم للملحدين العرب خاصة فى مصر من الملحدين والمتدينين الذين يحاولون مناقشتهم.
الجروب مركز لكل الملحدين، وينشر بشكل دورى مجلة الملحدين العرب ويروج لقنوات الإلحاد  «إسماعيل أحمد» صاحب حملة إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، وبرنامج «أليس كذلك» الذى يقدمه «أحمد حرقان» لقناة العقل الحر وتنتقد الفكر الدينى، وجدير بالذكر أن «حرقان» تعرض أيضا لتهمة ازدراء الأديان فى الفترات الأخيرة بعد ظهوره فى أحد البرامج الحوارية.
وهناك صفحة تهتم بالملحدين فى مصر يديرها «ألبير صابر» المصرى الهارب من البطش والاضطهاد، كما يصف نفسه، وصاحب أول وأشهر قضية ازدراء أديان بعد الثورة.
∎ مجلة الملحدين العرب:
قد تكون للبعض صادمة المحتوى، مليئة بأساليب الاقناع العلمى، يعدها مجموعة من الملحدين رئيس تحريرها venus saffore يتابعها العديد من الملحدين العرب ويرفع عددها بشكل دورى على جروب الملحدين العرب، أغلب كتابها يعيشون بأسماء مستعارة خوفًا من بطش المختلفين معهم سواء من الأشخاص أو الأنظمة، تمتاز المجلة بعرض أفكارها بشكل موضوعى وعلمى، وتستند للتشكيك فى الأديان وعرض ما يصفونه «تناقض الذات الإلهية» وتعارض الأديان مع العلم.
«روزاليوسف» حاورت «إسلام إبراهيم» مؤسس  حملة «إشهار الإلحاد» الذى أكد أنه لا يرى داخل مصر شيئا من حرية الاعتقاد مطلقا مع أن الدستور ينص على أنها مطلقة، لكن القوانين تنقض عليك من جميع النواحى حتى إننى أكتب كلامى ومع كل حرف أتوقع أن ألاحق قضائيا وأسجن كالكثير.
∎ هل تعرضت لأى اعتداءات سواء من الجهات الأمنية أو الناس فى الفترة الأخيرة؟
- منذ ظهورى للعلن من خلال حملتى للجهر بالإلحاد، أولا تم طردى من منزلى ثم طردى من عملى والاعتداء علىّ، ثم أصبحت بلا مأوى أو عمل لأشهر عديدة وتعرضت لعمليات اعتداء والضرب فى الشارع مرات قليلة، وأرى الاضطهاد يحيطنى من جميع الجوانب بسبب أنى قلتها صريحة وساعدت الكثير على قولها (أنا ملحد) لم أسرق، لم أقتل، لم أفعل أى شىء مخالف للقوانين حتى أعامل هذه المعاملة من الجميع، أما أمنيا فأتوقع ملاحقتى قريبا جدا.
∎ من  العنصر الأصلى فى أزمة الاضطهاد هل الهيئات التشريعية أم السلطة الحاكمة أم ثقافة المجتمع؟
- بالتاكيد المعضلة الأولى هى ثقافة المجتمع، أما الهيئات التشريعية فلها الدور الأكبر فى خفض مستوى الثقافة إلى الحد الأدنى وشحن العقول بالكراهية وعدم تقبل المختلف أو الآخر، أما السلطات الحاكمة فأنا أراها أيضا متحملة المسئولية تجاه ما يحدث باعتبارها المسئول الأول عن المجتمع ولابد أن توفر أو تتيح فرصا لزيادة الثقافة الفكرية فى مصر، ولكن بالتأكيد كل حاكم يريد أن يحكم مجموعة محدودة التفكير حتى يستطيع السيطرة بمنتهى السهولة، ولابد من ثورة دينية على المستوى الإنسانى لابد من احترام حقوق الإنسان قبل احترام حقوق الأديان مع مختلف طوائفها وبالتأكيد الكرة فى ملعب السلطات التشريعة الآن، ولكنى أراها متمسكة بآرائها بشدة ولا تريد التعديل.


∎ كيف بدأت فكرة حملة الجهر بالإلحاد وكيف تطورت؟
- فكرة الحملة بدأت حينما رأيت أن معظمنا يخاف من أن يظهر بشخصيته الحقيقية للجميع وأن أغلبنا مجرد أكونتات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى، ولهذا لن نحصل 1٪ من حقوقنا، لذلك نمت الفكرة داخل ذهنى وتطورت وقمت بإنشاء حملة للجهر بالإلحاد لا ننتقد فيها الدين، وإنما نضع صورة الشخص الحقيقية واسمه وبلده وكل بياناته، ونقول هذا ملحد لكى يصبح صوتنا مسموعا أكثر للجميع وذا تأثير عكس السابق، وبالفعل الحملة بدأت تؤتى ثمارها وشارك فيها أكثر من 450 شخصا فى الشهر الأول جاهروا بأفكارهم بشجاعة منهم من تم سجنه ومنهم من تعرض للاضطهاد، ولكنهم تقبلوا الأمر بشجاعة لا توصف، ولكن الجماعات السلفية خصصت حملات لإغلاق صفحة الحملة على الفيس بوك ونجحت فى ذلك للأسف، وقمت بإنشاء أخرى واغلقت ايضا وأنشأت الثالثة ومازالت مستمرة حتى هذه اللحظة مع أننى أتوقع إغلاقها أيضا.
∎ ما الصعوبات التى واجهتها الحملة فى البداية سواء من الجهات الأمنية أو من المجتمع؟
- الصعوبات التى واجهناها هى أمنية ومجتمعية وليست على الحملة حصرا وإنما على الأشخاص الذين ظهروا من خلالها بشخصياتهم الحقيقية، فكنت أتلقى مكالمات من المغرب الشقيق تفيد أن أشخاصا تعرضوا للضرب المبرح، وأشخاصا من مصر أيضا تم سجنهم أمثال كريم البنا الذى يواجه الحكم بـ 3 سنوات الآن، ومازلنا فى انتظار النقض، وأمثال أحمد حرقان الذى تعرض للضرب المبرح هو وزوجته فى الشارع وبعد أن ذهبا لقسم الشرطة تم الاعتداء عليهما أيضا من قبل رجال الأمن، والطريف أننى حينما ذهبت للاطمئنان عليه لم يتركنى رجال الشرطة حتى أقوم بقراءة شهادة الإسلام (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) طبعا قلتها بدون تردد ليس خوفا على نفسى، وإنما لكى أستطيع الخروج لكى أساعدهم من الخارج، غير ذلك الكثير من التهديدات التليفونية التى تأتى باعتبارى مؤسسا للحملة والسباب والشتائم والإهانة التى تتلقاها الحملة والأشخاص المجاهرون بها.
∎ هل تلقيت عروضا من دول أجنبية للجوء الدينى؟
- لا، لم أتلق أى عرض من دولة أو أشخاص فى الخارج، وحتى لو تلقيت لن أذهب فأنا أعشق مصر وأريدها أن ترتقى فكريا مثل الدول المتقدمة وسأعمل على هذا بكل طاقتى.
∎ كيف تنظر لمن قبلوا هذه العروض وسافروا بالفعل؟
- أعذرهم طبعا فكل شخص له ظروفه الخاصة، منهم من كان معرضا للسجن بسبب أفكاره وتلقى حكما نهائيا، ومنهم من كانت حياته جحيما لا يستطيع أن يسير فى الشارع بحرية، ناهيك عن الذهاب للعمل لإيجاد قوت يومه.
∎ هل ترشح تطبيق تجربة تشريعية لدولة معينة ليتم تطبيقها فى مصر تحقق حرية الاعتقاد؟
- أرشح تجربة تونس فهى الأقرب لمصر فكريا وعقائديا وجنسيا، وأرى تجربتها ناجحة، وبدأت بالفعل تسير على أولى خطوات نحو الطريق الصحيح، لكن الطريق لا يزال طويلا أيضا.
∎ ما مقترحاتك لتفعيل المادة 64 بالدستور التى تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة؟
- لكى تصبح هذه المادة غير وهمية كالكثير من المواد أقترح أولا إلغاء قانون ازدراء الأديان وإلغاء خانة الديانة من الشهادات والوثائق الرسمية التى تقيد حرية اعتقادك.
∎ هل تريد توجيه رسالة أخيرة؟
 - طبعا أريد أن أوجه رسالة صغيرة للمجتمع: أخى المؤمن، أختى المؤمنة نحن فى نظركم مجرد حفنة من الكفار وسنذهب إلى جحيم الإله، لذلك لا ترهقوا أنفسكم بمطاردتنا فنحن ذاهبون إلى الجحيم، فيه حاجة كمان لو تحب تضيف صورتى مفيش مشكلة هى اتنشرت فى حوارات كتير قبل كده.
وفى حوار آخر مع أحد الملحدين المصريين - الذى رفض ذكر اسمه:
∎ هل ترى أن الوضع الحالى يساعد على إشهار إلحادك، مع العلم أن هناك من أشهروا إلحادهم بالفعل؟
- هم أحرار لهم مطلق الحرية فى أفعالهم، لكن لا أرى أى نية من المجتمع أو الدولة لتقبل فكرة أن يعلن شخص أو مجموعة عن إلحادهم، لكننى أعلن لبعض الناس عن أفكارى ولا أخاف أو أتردد فى ذلك، لكنى لا أرى ضرورة ملحة لأن أظهر على القنوات وصفحات الفيس بوك.
∎ هل هناك مكان مميز للقاءات أو الندوات؟
- بين الحين والآخر نقوم بعمل لقاءات، نتجمع ونتعارف ونتبادل المعلومات بين الأصدقاء.
∎ ما أهم اللقاءات التى تحضرها بشكل دورى؟
- أحيانا أذهب لصالون حركة علمانيين، المكان لا يدعو للإلحاد ولكنه مناخ جيد للحوار والمناقشات الجادة حول الأديان والأفكار الحرة.
∎ ماذا عن نسبة تمثيل المرأة فى هذه الصالونات؟
- النسبة لا تتعدى عشر فتيات فقط.
∎ فى النهاية هل تريد أن تضيف أى شىء؟
- أتمنى أن يعى المجتمع المصرى أننا لسنا بقلة وأن بجهلهم يدفع المزيد والمزيد للشك فى الأديان ويجدون فى الإلحاد السبيل الأمثل للخلاص.
انتهى الحوار مع الملحدين، ويظل السؤال دائرا ما هو دافعهم فى اختيار هذا الطريق، وربما تكون الإجابة فى مقولة الإمام محمد الغزالى: «إن انتشار الكفر فى العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم».∎
المصدر   مجله روزل اليوسف

No comments:

Post a Comment