نشوء مفهوم الحجاب في التاريخ الديني
إنَّ ارتداء الحجاب ليس إختراعًا إسلاميًا بل له تاريخٌ ضاربٌ في القِدم، ربّما قبل الأديان جميعا، فنجد في قوانين حمورابي التي أوحى له بها الرب “شمش” أنه من المحرمات أن ترتدي الأمة أو الجارية الحجاب، فهو مقتصرٌ فقط على الشريفات من النساء، بينما نجد النص التوراتي المقدس الموحى به من الرب يهوه لعددٍ ضخمٍ من الأنبياء أنَّ النقاب رداءٌ للزانيات وليس للحرائر من النساء (راجع سفر التكوين 19- 13 : 38)، ثم جاءت المسيحية وبعدها الإسلام ليسيرا على نفس النسق الفكري في الدعوة إلى ستر المرأة وراء حجاب، أما لو تساءلنا عن السبب الديني لهذه الدعوة فإننا سنفاجأ مفاجأةً كبيرة، فلنرجع للبداية، أي إلى زمان طوفان نوح، نجد التالي:
«وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل مااختارو»
- (سفر التكوين 6: 1- 3)
هذا النص من النصوص الغريبة في التوراة، ولهذا يتجاهله معظم المفسرين، أو يمرّون عليه مرور اللئام، فلنحاول أن نشرحه نحن بطريقتنا: كان البشر قبل نوحٍ يتكاثرون بطريقةٍ طبيعيةٍ نتيجة تزاوج الرجال مع النساء، إلى أن ظهر على مسرح الأحداث ما تسميه الترجمة العربية للتوراة “أبناء الله” وهي ترجمةٌ غير دقيقةٍ للكلمة العبرية القديمة “بيني ها إيلوهيم” والتي تعني حرفيًا: الكائنات المقدسة أو الملائكة، وليس أبناء الله كما تخبرنا الترجمة العربية، فنجد في سفر أيوب:
«وكان ذات يومٍ أن جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضًا في وسطهم»
- (أيوب 6).
أي أنَّ أبناء الله هم الملائكة، ولكنّ ملائكة السماء كائناتٌ نورانيةٌ من المفترض أنهم لا يتزاوجون، فكيف يتزوّج ملاكٌ نورانيٌ من بشريةٍ طينية؟ وكيف يتخلى الملاك عن طبيعته النورانية الطاهرة ويمارس الجنس بجسدٍ بشري مع إناث الأرض؟
ظل هذا التساؤل مبهمًا إلى أن عثرنا على كتاب أبو كريفي -أي غير معترف به رسميًا- إسمه سفر أخنوخ، وقد كُتب في حوالي القرن الأول قبل الميلاد على الأقل، وهو يشرح لنا هذا النص الغامض بالتفصيل:
«عندما تكاثر بني البشر ولدت لهم بناتٌ غضاّتٌ وجميلات، ورآهن الملائكة أبناء السماء فاشتهوهن، فقال بعضهم لبعض: لنذهب ونختر نساءً من البشر ولننجب أطفالاً، فقال لهم شمهازا الذي كان رئيسهم: أخشى أن تتراجعوا فأصبح وحدي المقترف لخطيئةٍ كبيرة، فأجابوه جميعًا: لنقسم كلنا لاعنين ألا نتخلى عن هذا المخطط حتى نتمّه ونكون قد أنجزنا الأمر، عندها أقسموا مع بعضهم جميعًا وتعاهدوا حتى اللعن من أجل ذلك، وكانوا بمجملهم مائتين، وكانوا قد نزلوا في زمن يارد على قمة جبل حرمون، وسُمي الجبل حرمون لأنهم هنا كانوا قد أقسموا وتبادلوا العهد حتى اللعن، هؤلاء وجميع رفقائهم إتخذوا نساء لأنفسهم، واحدة لكل منهم، وبدؤوا بتقريبهن والتنجس بالإحتكاك بهنّ، وعلموهن الأدوية والسحر والنبات وأرشدوهن إلى الأعشاب، وحملت النساء وولدن عمالقة طولهم ثلاثة آلاف ذراع، إبتلعوا نتاج تعب البشر كله، إلى حد أن البشر لم يعودو يستطيعون إطعامهم، وتحالف العمالقة ضدهم كي يقتلوهم وابتلعوا البشر، وراحوا يذنبون إتجاه الحيوانات كلها، الطيور، وذوات الأربع، والزواحف، والأسماك، كما وابتلعوا بعضهم بعضا وشربوا الدم، عندها إشتكت الأرض من المجرمين لما كان قد جرى عليها»
- (السفر الرؤيوي لأخنوخ 1: 2).
وهنا يتضح لنا الأمر، فالملائكة المطرودة من سماء الرب مع الشيطان أيام آدم أو حفيده يارد قد إشتهت أجساد بنات البشر اللدنة، فاتخذت لنفسها صورةً جسديةً لتضاجعهن وتنجب منهن جنسًا من الجبابرة، ولو رجعنا قليلاً للأساطير البدائية، لوجدنا أنّه كان من الأمور المعتادة هبوط آلهةٍ من السماء لتمتطي إناثًا من بني البشر، لتنجب منهن كائنًا أقوى من البشر وأضعف من الإله، ولنا في هرقل بن الإله زيوس من البشرية ألكمينا أسوة حسنة.
وجاءت التوراة لتساير الأساطير السائدة وتؤكّد أنّ سكان الأرض في وقت نوحٍ كانوا “هجينا” من تزاوج الملائكة الساقطة مع بنات البشر الفاتنات، ولم تكتف مطاريد الملائكة بمضاجعة إناثنا، بل إتجهت أيضًا إلى مضاجعة الحيوانات والزواحف، ولعلنا نستطيع أن نتفهم مضاجعة الملائكة للحيوانات على إعتبار أنه تقليدٌ مصريٌ صميمٌ مازال مستمرًا حتى الآن، أما مضاجعة الزواحف فهي في الحق إبتكارٌ ملائكيٌ لم نسمع عنه قط بين بني البشر، وربما لهذا السبب لم يطلب الإله يهوه من نوحٍ تحذيرهم أو دعوتهم إلى الهداية مقررا منذ البدء إهلاكهم لتطهير الأرض من شرورهم، فيقرر في لحظة إنفعالٍ أن يمحي من على وجه الأرض:
«كل مافي أنفه نسمة روح حياة»
- (سفر التكوين 7: 22-23).
No comments:
Post a Comment