Tuesday, March 17, 2015

نشوء مفهوم الحجاب في التاريخ الديني

إنَّ ارتداء الحجاب ليس إختراعًا إسلاميًا بل له تاريخٌ ضاربٌ في القِدم، ربّما قبل الأديان جميعا، فنجد في قوانين حمورابي التي أوحى له بها الرب “شمش” أنه من المحرمات أن ترتدي الأمة أو الجارية الحجاب، فهو مقتصرٌ فقط على الشريفات من النساء، بينما نجد النص التوراتي المقدس الموحى به من الرب يهوه لعددٍ ضخمٍ من الأنبياء أنَّ النقاب رداءٌ للزانيات وليس للحرائر من النساء (راجع سفر التكوين 19- 13 : 38)، ثم جاءت المسيحية وبعدها الإسلام ليسيرا على نفس النسق الفكري في الدعوة إلى ستر المرأة وراء حجاب، أما لو تساءلنا عن السبب الديني لهذه الدعوة فإننا سنفاجأ مفاجأةً كبيرة، فلنرجع للبداية، أي إلى زمان طوفان نوح، نجد التالي:

«وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل مااختارو»
- (سفر التكوين 6: 1- 3)
هذا النص من النصوص الغريبة في التوراة، ولهذا يتجاهله معظم المفسرين، أو يمرّون عليه مرور اللئام، فلنحاول أن نشرحه نحن بطريقتنا: كان البشر قبل نوحٍ يتكاثرون بطريقةٍ طبيعيةٍ نتيجة تزاوج الرجال مع النساء، إلى أن ظهر على مسرح الأحداث ما تسميه الترجمة العربية للتوراة “أبناء الله” وهي ترجمةٌ غير دقيقةٍ للكلمة العبرية القديمة “بيني ها إيلوهيم” والتي تعني حرفيًا: الكائنات المقدسة أو الملائكة، وليس أبناء الله كما تخبرنا الترجمة العربية، فنجد في سفر أيوب:
«وكان ذات يومٍ أن جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضًا في وسطهم»
- (أيوب 6).
أي أنَّ أبناء الله هم الملائكة، ولكنّ ملائكة السماء كائناتٌ نورانيةٌ من المفترض أنهم لا يتزاوجون، فكيف يتزوّج ملاكٌ نورانيٌ من بشريةٍ طينية؟ وكيف يتخلى الملاك عن طبيعته النورانية الطاهرة ويمارس الجنس بجسدٍ بشري مع إناث الأرض؟

ظل هذا التساؤل مبهمًا إلى أن عثرنا على كتاب أبو كريفي -أي غير معترف به رسميًا- إسمه سفر أخنوخ، وقد كُتب في حوالي القرن الأول قبل الميلاد على الأقل، وهو يشرح لنا هذا النص الغامض بالتفصيل:
«عندما تكاثر بني البشر ولدت لهم بناتٌ غضاّتٌ وجميلات، ورآهن الملائكة أبناء السماء فاشتهوهن، فقال بعضهم لبعض: لنذهب ونختر نساءً من البشر ولننجب أطفالاً، فقال لهم شمهازا الذي كان رئيسهم: أخشى أن تتراجعوا فأصبح وحدي المقترف لخطيئةٍ كبيرة، فأجابوه جميعًا: لنقسم كلنا لاعنين ألا نتخلى عن هذا المخطط حتى نتمّه ونكون قد أنجزنا الأمر، عندها أقسموا مع بعضهم جميعًا وتعاهدوا حتى اللعن من أجل ذلك، وكانوا بمجملهم مائتين، وكانوا قد نزلوا في زمن يارد على قمة جبل حرمون، وسُمي الجبل حرمون لأنهم هنا كانوا قد أقسموا وتبادلوا العهد حتى اللعن، هؤلاء وجميع رفقائهم إتخذوا نساء لأنفسهم، واحدة لكل منهم، وبدؤوا بتقريبهن والتنجس بالإحتكاك بهنّ، وعلموهن الأدوية والسحر والنبات وأرشدوهن إلى الأعشاب، وحملت النساء وولدن عمالقة طولهم ثلاثة آلاف ذراع، إبتلعوا نتاج تعب البشر كله، إلى حد أن البشر لم يعودو يستطيعون إطعامهم، وتحالف العمالقة ضدهم كي يقتلوهم وابتلعوا البشر، وراحوا يذنبون إتجاه الحيوانات كلها، الطيور، وذوات الأربع، والزواحف، والأسماك، كما وابتلعوا بعضهم بعضا وشربوا الدم، عندها إشتكت الأرض من المجرمين لما كان قد جرى عليها»
(السفر الرؤيوي لأخنوخ 1: 2).
وهنا يتضح لنا الأمر، فالملائكة المطرودة من سماء الرب مع الشيطان أيام آدم أو حفيده يارد قد إشتهت أجساد بنات البشر اللدنة، فاتخذت لنفسها صورةً جسديةً لتضاجعهن وتنجب منهن جنسًا من الجبابرة، ولو رجعنا قليلاً للأساطير البدائية، لوجدنا أنّه كان من الأمور المعتادة هبوط آلهةٍ من السماء لتمتطي إناثًا من بني البشر، لتنجب منهن كائنًا أقوى من البشر وأضعف من الإله، ولنا في هرقل بن الإله زيوس من البشرية ألكمينا أسوة حسنة.
 وجاءت التوراة لتساير الأساطير السائدة وتؤكّد أنّ سكان الأرض في وقت نوحٍ كانوا “هجينا” من تزاوج الملائكة الساقطة مع بنات البشر الفاتنات، ولم تكتف مطاريد الملائكة بمضاجعة إناثنا، بل إتجهت أيضًا إلى مضاجعة الحيوانات والزواحف، ولعلنا نستطيع أن نتفهم مضاجعة الملائكة للحيوانات على إعتبار أنه تقليدٌ مصريٌ صميمٌ مازال مستمرًا حتى الآن، أما مضاجعة الزواحف فهي في الحق إبتكارٌ ملائكيٌ لم نسمع عنه قط بين بني البشر، وربما لهذا السبب لم يطلب الإله يهوه من نوحٍ تحذيرهم أو دعوتهم إلى الهداية مقررا منذ البدء إهلاكهم لتطهير الأرض من شرورهم، فيقرر في لحظة إنفعالٍ أن يمحي من على وجه الأرض:
«كل مافي أنفه نسمة روح حياة»
(سفر التكوين 7: 22-23).
أي البشر والحيوانات والطيور وكل الكائنات الحية على كوكب الأرض، باستثناء البطريرك المدعو نوح..
«الذي وجد نعمة في عيني الرب»
( سفر التكوين 6: 8).
فيأمره الإله ببناء فلكٍ يحميه من الطوفان القادم، ويطيع الرجل الصالح أمر ربه ويقضي مئة عامٍ في بناء سفينته وجمع زوجين من كل حيوانات وطيور الأرض لكي يأخذهم معه في السفينة لتبدأ بهم حياةٌ جديدة؛ أما لماذا وجد نوحٌ نعمةٌ في عيني الرب؟ فتخبرنا التوراة بالتالي:
«كان نوحٌ رجلاً بارًا كاملاً في أجياله»
(سفر التكوين 6: 9).
وكلمة “كاملاً” هي ترجمة عربية غير دقيقة للكلمة العبرية «تميم»، والتي تعني حرفيًا «من دون تشوهٍ فيزيائي» أي أنّه كان إنسانًا كاملاً في إنسانيته ولم تلوِّث عروقه دماء الملائكة الساقطة، أي أنّه كان إنسانًا من نسل أناسٍ طبيعيين، ولم يعتل رجالُ الملائكة أمّه فصار بشرًا سويًا، وهاكم النص المقدس:
فنجد في كتابٍ آخر من الكتب المكتشفة حديثًا في قمران إسمه «قصة لامك»، وهو ليس كتابًا بالمعنى المفهوم بل مجرد بضعة سطورٍ نكتشف منها أن السيّد لامك والد البطريرك نوح يتهم زوجته التي اسمها «بتشوع» بأنها قد حبلت بنوحٍ من كائنٍ آخر وليس منه؛ فترد المسكينة قائلةً:
«وعندما رأت بتشوع زوجي أن وجهي قد تغير عليها، عندها ضبطت إنفعالها وكلمتني وقالت لي: أيا سيدي أيا أخي، تذكر اللذّة التي شعرت بها، أقسم لك بالقدوس الأعظم بملك السماء، إن هذا المني منك حقًا، وأن هذا الحمل منك حقًا، وليس من أيّ إنسانٍ آخر، ولا من أيٍّ من اليقظين، ولا من أيٍّ من أبناء السماء»
- (قصة لامك 12: 17).
ولكن الأب لايصدقها ويذهب لرؤية أباه أخنوخ، رغم أنه كان قد سار مع الله، ولكن النص للأسف يُقطع من هنا، فلا نعرف نحن سبب هذا الشك المبين الذي يدلنا على مدى سيطرة الإنحلال الجنسي على نساء تلك الفترة بتحريضٍ من مطاريد الملائكة.
إذًا، يراد بنا أن نصدق أن ليونة أجساد بنات البشر ودلالهن قد جعلت مطاريد الملائكة تعيش في هياجٍ جنسي لا حد له، مما دفعها إلى إعتلاء نسائنا لينجبوا منهن نسلاً من العمالقة، ولعلّنا في هذا السياق المقدّس نتذكر أن الرب زيوس رب الأرباب اليوناني قد ظل ثلاثة أيام بلياليها يُضاجع البشرية “ألكمينا” حتى حبلت بالبطل الأسطوري هرقل، ولانملك نحن البشر الفانون سوى الحسرة على مستوى أدائنا الجنسي مقارنةً بالآلهة أو حتى الملائكة المطاريد، وندعوا الله مخلصين له الدعاء أن يُبعد ملائكته عن نسائنا.
وربّما على ضوء هذا التفسير يمكننا أن نفهم قول بولس الرسول:
«لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة»
(كورنثوس:11- 10).
أي أنه على المرأة أن تداري مصدر الفتنة لديها وهو شعرها تحت حجاب – ولا ندري نحن سرّ إصرار الديانات السماوية على أن شعر المرأة هو مصدرٌ للإثارة الجنسية، حتى صار غطاء الرأس أهمّ مقومات التدين في عصرنا هذا والعصور السابقة أيضًا – كيلا تثير شهوة الملائكة المطرودة فتعجز عن مقاومة إغراءات الشعر المثير فتضطر آسفة أو سعيدة إلى إمتطائها، وهو ما يضعنا نحن رجال البشر في موقفٍ لا نُحسد عليه، فإمكانيات الملائكة الجنسية – بلا شك- أعظم من إمكانياتنا البشرية، وبالتالي فسوف تهفوا نسائنا إلى الإنبطاح تحت ملائكة الرب المطرودة، وتتركنا نحن بإمكانيتنا المحدودة نهبًا للأفكار الجنسية المثيرة التي لا نجد لها تصريفا، ومن هنا فنحن نتوسل لنساء البشر أن ترتدين الحجاب رحمةً بنا.
ولعلنا لو نظرنا للحجاب على أنه غطاءٌ يغطي أعلى المرأة، وفي نفس الوقت علِمنا من معطياتنا الدينية أن الملائكة كائنات علوية، أي أنها ترانا من فوق رؤسنا، لاتضح لنا الأمر جليًا، فالحجاب في الأساس ليس هدفه أن تحتشم المرأة من الرجل، بل أن تداري فتنتها عن أعين الملائكة الفوقية التي تراها من أعلى، وبالتالي فمصدر الفتنة للملائكة ليس الجسم الأنثوي، بل هو على الأرجح الشعر المتطاير في الهواء الذي يثير رغبات الملائكة العلوية الجنسية، أمّا رجال الأرض فلا نعتقد أنَّ منظر الشعر الأنثوي هو الذي يحرك غرائزهم الجنسية، و ليدخل كلّ من يشك في هذا الكلام على أي موقع على النت ليشاهد أفلام البورنو التي لا مجال فيها للشعر الأنثوي، بل هناك مفاتن أخرى للمرأة تثير رغبات الرجل.




No comments:

Post a Comment