Thursday, March 12, 2015


لو كان بمصر هندوس

لو كان بمصر هندوس، بالتأكيد كان بعض بسطاء العقول سيقولون إنني “تهندست”، أي صِرتُ "هندوسية”! ولو كان بمصر "بوذيون"، لا شكَّ كنتُ سأحصد في سلة التهم التي أحوذها حتى الآن تهمة جديدة: "أنني "تبوذذت"، أي غدوتُ بوذية"! ولو كان بمصر زرادشتيون، لابد أن بعض الُمتربصين الأشاوس كانوا سيقسمون على "المصحف" أنني “تزردشت”! ولو كان بمصر "برقازائيون"، أيضًا كان هناك من سيتمطّع قائلا إنني صرتُ من أتباع "البرقازائية"! ولا تحاول أن تبحث عن هذه الطائفة أو المذهب أو الفلسفة الفكرية؛ لأن المفردة الكوميدية من تأليفي، ولا وجود لها. إنما وددتُ أن أؤكد أنني وأمثالي - من الذين يعترفون للآخر بحق "اختيار المصير"، وبحق اختيار المعتقد، وبحق اعتناق أي مذهب فكري أو فلسفي، وبحق اختيار "النَّجْد"، أي الطريق: (وَهَديْناه النَجدين ) قرآن كريم، وبكامل حقوق المواطَنة تامّةً غير منقوصة، بصرف النظر عن عقيدته التي هي شأنُ الله وحده لا شريك له، الذي عنده يجتمع الخصومُ والفرقاء، نحن الذين اخترنا السير على الدرب التونيري المُحبّ للجميع دون قيد أو شرط، كما أسسه: محيي الدين بن عربي والحلاج والنِّفّري والسَّهروردي والوليد ابن رشد، وأضرابهم من العظماء، وعزفنا عن الدرب التكفيري العنصري المتوحّش الذي أسسه: ابن تيمية، ومحمد عبد الوهاب، وأبي الأعلي المودودي، وطالبان والقاعدة وداعش وحسن البنا وسيد قطب، ومن على شاكلتهم – أنني وأمثالي نمثّل "الناشنكان" الجاهز، الذي يُصوّبُ "المتأسلمُ التكفيريّ" نحوه سهمه المسموم لكي يؤكد "للناس" أنه مؤمن وجميل وتقيّ و"داخل الجنة حدف"، بينما نحن في نار جهنم خالدون!
بالتأكيد لو كان بمصر هندوس، كنت سأحترم اختيارهم وفكرهم، رغم رفضي له ومعرفتي بأنهم لا يتبعون ديانة سماوية، إنما فلسفات أرضية اجتهادية تخصّهم. ربما ثيرُ طقوسُهم "دهشتي"، لكنني أؤمن أنه ليس من حق إنسان أن يحاكِم إنسانًا فيما يؤمن أو يعتقد، طالما لم يؤذ سواه من البشر، ولم يخرج على القانون.
سأوجز فكرتي في التالي وكلي ثقة من ذكائك أيها القارئ العزيز؛ وفهمك لما سأقول:
احترامي أية عقيدة، أو مذهب، او فلسفة فكرية، ليس معناه أنني أصدق هذه العقيدة أو تلك الفلسفة أو أؤمن بها أو على استعداد لاتّباعها.
أرفض ازدراء اليهودية، رغم إيماني بقساوتها في كثير من الأفكار. فهل أؤمن بها؟! أرفض تسربّل الشيعة بالدماء في ذكرى كربلاء وأرى طقسهم الدموي غير مبرر لأنهم أبرياء من دم الإمام الحسين، رضي الله عنه وعن أبيه وأمه، ولكنني لا أسخر منهم، طالما لا يؤذون سواهم ويفعلون ما يفعلون ببعضهم البعض برضا الجميع. احترامي خيارهم، لا يعني أنني شيعية! لكن سيبدأ سجالي معهم حين يؤذون سواهم. أرفض إهانة الهنودس، فهل أعتنق الهندوسية؟ أرفض إهانة الملحد، فهل أصدق أن لا إله لهذا الكون؟! أرفض قتل البوذيين والمسيحيين والبهائيين والأكراد الزرادشتيين وغيرهم من كل الملل والطوائف والأعراق، فهل أعتنقُ كلَّ ما سبق من فلسفات وعقائد؟ تمامًا مثلما أرفضُ قتلَ المسلمين في أيّ بقعة من الأرض تدين أغلبيتُها بغير الإسلام. ورفضي هذا ليس انطلاقًا من إسلامي، بل انطلاقًا من إنسانيتي التي ترفض قتل "الإنسان" لأي سبب كان. 
وإذن، الفكرة في احترامي أي دين أو فلسفة تنطلق من احترامي لـ(الإنسان) ، وليس لإيماني بهذا الدين أو تلك الفلسفة. 
"الإنسان" وفقط، هو الذي يعنيني، مهما اعتنق من ديانات وعقائد وفلسفات، قد أرى أنها محض خرافة أو اجتهاد بشريّ، شريطة ألا يؤذي الآخر. وهذا هو جوهر "العلمانية" التي أصبح مفهومها مرتبكًا في عقول البسطاء، بعدما شوّهها المتطرفون التكفيريون وأشاعوا أمام العامة إنها "الكفر"، رغم أنها منتهى "الإيمان" بالله الذي كفل للإنسان حقَّه في اختيار عقيدته وفلسفته. لماذا؟ لأن هذا الإنسان سوف يقف "وحده" أمام الله يوم السؤال، ومن ثم فمن حقه اختيار ما سوف يُسأل عنه دون ضغط أو إجبار، وإلا علامَ سيُسأل؟! الحرية مناط التكليف. 
ولأنني أحترم الإنسان فإنني أكره أن يُزجَر أو يُهان، لأنه ورث هذا الدين أو ذاك وصدقه، أو لم يصدقه فرأى أن الديانات كلها خرافة بشرية من أجل السلطان والتسيّد. هو حرّ في أن يفكر ويصل إلى ما يشاء. فالله تعالى قد وهبه العقل ليختار، لا أن يُختير له. كيف سيحاسب اللهُ عبدًا ليس حرًّا؟!
دوري ككاتبة تنويرية أن أُكرِّسَ مبدأ حاسمًا: "اُعبدْ الحجرَ إن شئتَ، شريطةَ ألا تضربَ به غيرك.

فاطمة ناعوت
مجلة (٧ أيام)

No comments:

Post a Comment