Monday, March 30, 2015

سقوط العالم الاسلامى | حامد عبد الصمد

سقوط العالم الاسلامى | حامد عبد الصمد


إلى روح نصر حامد أبو زيد

أو الشرق يحترق

قبل عشرة أعوام كنت أدرس العلوم السياسية بإحدى جامعات ألمانيا. لم تسر

الدراسة فى البداية على ما يرام، وبدأت مشكلات الهوية والعقيدة تلاحقنى وتكدر

على حياتى فى غربة الشمال الباردة. فجأة تحول ذلك الطالب المصرى الذى جاء

باحثا عن العلم و الحرية إلى جندى من جنود صراع الحضارات. ولكن

سلاحا سوى تمجيد الذات ولعن

الآخرين. نسيت مع مرور الوقت قضايا بلادى التى كانت تؤرقنى وصرت أركز

الك الألمان الذين

ي ْجلدون ذواتهم ويحاكمون بلادهم ويدينون رأسماليتها وسياستها الاقتصادية

المتعسفة وتاريخها العنصرى الأسود. كانت مثل هذه الكتب تزيد حنقى على هذا

الجندى كان بلا حول ولا قوة، ولم يكن يمتلك ً

ُ

على أمراض المجتمع الألمانى، أدرسها وأحللها. كان يعجبنى اب ّ

ت

البلد وتبرر عدم قدرتى على الاندماج فيه أو تحقيق أى نجاح يذكر.

وفى أحد الأيام سقط فى يدى كتاب قديم ظننت أنه كنز هائل يحمل نبوءة يتمناها

الكثيرون فى بلادنا؛ إنه كتاب «سقوط الغرب» للفيلسوف والمؤرخ الألمانى

«أوزفالد شبنجلر» الصادر عام 1918، الذى يسرد فيه الأسباب التى يرى أنها

ستؤدى إلى انهيار الحضارة الغربية. وجدتنى ألتهم الصفحات الأولى من الكتاب

تملؤنى الشماتة والترقب، ولكننى ما إن فرغت من قراءة المقدمة الطويلة جدا

للكتاب حتى شعرت بالإرهاق. بغض النظر عن لغة الكتاب الصعبة للغاية، أرهقنى

وصف «شبنجلر» لشيخوخة المدنية الأوروبية كحضارة فقدت بوصلتها وروحها

وسقطت فى غياهب المادية والعنف.. وجدتنى متلبسا بسؤال نفسى: هل يصف

الفيلسوف الألمانى حال حضارته فى بداية القرن العشرين أم حال حضارتى فى

بداية القرن الحادى والعشرين؟ ألا ينطبق ذلك الوصف أيضا على حال العالم

واصلت القراءة حتى وصلت إلى هذه الجملة: «وفى النهاية ستنطفئ نار

الحضارة، ولكنها ستحاول أن تستجمع ما تبقى لها من قوة فتتذكر أمجاد ماضيها

الأول.. ستحاول الرجوع إلى طفولتها، ولكنها فى طريقها ستفقد قدرتها على السير

ورغبتها فى الحياة فتسقط منهكة ويائسة فى ِحجر أمها، ثم ستحاول الفرار إلى

ظلمة رحم الأم، فينتهى بها المطاف إلى المقبرة».

رأيت أمامى حضارة إسلامية تتنفس بصعوبة وهى تقف عند مفترق الطرق ولا

تدرى إلى أين المصير. الدنيا كلها ترى أعراض المرض على وجهها، ولكن

المسلمين لا يزالون يكابرون ويلومون الناس جميعا إلا أنفسهم. رأيتهم يفرون من

ول فيحلمون بغزو العالم من جديد بسيوف من

واقعهم الحالى إلى مغارات ٍ ماض ى ّ

خشب وشعارات من سراب.

لم أشعر بشماتة فى الغرب وأنا أقرأ كتاب «شبنجلر»؛ ولكنى شعرت بغضب

وصداع جعلانى أنحى الكتاب جانبا دون أن أتم قراءته. أدركت للمرة الأولى أن

تصورى لحضارتى ليس إلا فقاعة أختبئ فيها من خزى الواقع، وكذبة أهّون بها

على نفسى مرارة قلة الحيلة. منذ ذلك اليوم صرت أكره «شبنجلر» وكتابه وألمانيا

وبعد مرور عشرة أعوام أتتنى الشجاعة مرة أخرى لإعادة قراءة «سقوط

الغرب»، ولكن بفهم آخر. حاولت أن أتبع نصيحة «شبنجلر» أنه على الإنسان أن

يواجه سقوط حضارته بشجاعة ووعى، وألا يرى فيه السيئ فقط، لأنه لا توجد

حضارة دامت إلى الأبد، وسقوط الحضارات ليس إلا سنة من سنن الحياة. ويبدو

جيدا على الرغم من أنه لا يشير إليه فى

كتابه. فهو يتحدث عن الحضارة كزهرة تنبت ثم تتفتح ثم تتهالك، وهو أقرب

لتشبيه ابن خلدون للحضارة ككائن حى يمر بمراحل الولادة والشباب والشيخوخة.

وهى مراحل مرت بها كل الحضارات بداية من الفراعنة والسومريين ً

بالإغريق والرومان وانتهاًء بالدولة العثمانية. ويقول «شبنجلر» إن المدنية ليست

سوى المرحلة الأخيرة من الحضارة، حيث يسترخى السكان فى المدن فينطفئ

لهيب الإبداع و تختفى الرغبة فى الكفاح بداخلهم، وهى أيضا نظرية طرحها ابن

خلدون فى «علم العمران»، حين تحدث عن العصبية كأداة من أدوات الحرب.

ً

أن «شبنجلر» قرأ أعمال ابن خلدون ،

ويرى ابن خلدون أن العصبية تموت فى المدن.

ويرى «شبنجلر» أن المرحلة الأخيرة من الحضارة تتصف بالجمود فى كل

مجالات الحياة، فيفقد الناس وعيهم بالتاريخ وتنتشر الفوضى الفكرية ويختفى الفن

الحقيقى وتسود التسلية الرخيصة فلا يبقى فى تفكير الناس سوى الخبز واللعب.

ولو أننا نظرنا خلف أقنعة التدين التى تغطى الوجه الحقيقى لحضارتنا الإسلامية

المعاصرة لوجدنا أن هذه الظواهر التى يتحدث عنها «شبنجلر» تسيطر على

مجتمعاتنا بصورة واضحة.

رابط تحميل الكتاب |  http://goo.gl/Bmcvrw

No comments:

Post a Comment