محمد ولينين
عندما ننظر إلى شخصية تاريخية ما، كثيراً ما نراها كتجسيد للخير المطلق أو الشر المطلق، إما غاندى أو هتلر. وكثيراً ما ننظر لهذه الشخصيات على أنها صنعت التاريخ، ونغفل أن التاريخ هو من صنعهم فى المقام الأول. أى شخصية مهما عظم شأنها هى مزيج من جينات وراثية وتربية ومحيط إجتماعي وظرف تاريخى معين، ثم يأتى قرار الشخص وتعامله مع المعطيات المحيطة به...
النبى محمد ينطبق عليه نفس الشئ.. لا أرى أنه يمثل الخير المطلق أو الشر المطلق.. هو شخصية لا تستحق التمجيد ولا تستحق السب والتجريح.. لا أرى أن محمد غيّر مجرى التاريخ بقدر ما غيّر التاريخ مجراه هو.. ولو شبهت محمد بشخصية تاريخية أخرى فسيكون فلاديمير لينين، الذى قضى شبابه يحلم بمجتمع مثالى بلا إحتكار ولا إمبريالية، مجتمع يسوده عدل مطلق و يملأه سلام تام لكل البشر... ولكن بعد أن دخل لينين معترك السياسة أصبح ميكيافيللياً، أى أصبح يؤمن بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة... فصار يتلقى المعونات من إمبراطورية ألمانيا الإمبريالية لإضعاف قيصر روسيا، وبعد أن عاد إلى روسيا وقاد الثورة فيها كان جيشه الأحمر يتعامل بنفس وحشية جيش القيصر... بدأ يتخلص من خصومه، حتى من أصدقائه بالقتل والإرهاب، وكلما تخلص من خصم زادت عنده البارنويا والخوف من خصوم آخرين، فبنى معسكرات التعذيب وقتل مئات الآلاف... طبعاً بجوار ذلك أصلح التعليم والقضاء وبنى الإتحاد السوفيتى وجعله قوة عالمية يعتد بها... لكن ذلك لا يغير من حقيقة أنه بنى مجده على أشلاء الأبرياء... ربما لم يكن لديه خيارٌ آخر، وربما كان سبب عنفه المبالغ أن إنجلترا والولايات المتحدة كانوا يساعدون الجيش الأبيض فى حربه الأهلية مع جيش لينين الأحمر، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن لينين كان سفاحاً وتسبب فى قتل الآلاف وشقاء الملايين...ربما لم يكن لدى محمد خيارٌ آخر أيضاً... ربما أجبرته ظروف نشأته والظرف التاريخى الذى ولد فيه أن يصير مثلما صار...
الفرق بين لينين المنظّر الماركسى الشاب ولينين القائد البولشيفيكى هو الفرق بين محمد فى مكة ومحمد فى المدينة، كلاهما كان يحلم بـ يوتوبيا لا علاقة لها بحقيقة العالم الذى يعيشون به، كلاهما أراد أن يغير العالم بالأفكار المثالية والموعظة الحسنة، ولكن هذه الأفكار أثبتت فشلها فى أول تجربة لها على أرض الواقع... الإسلام ما كان لينتصر لولا الغزوات وسحق الجماجم وحروب الردة والفتوحات، والشيوعية ما كانت تنتصر لولا ثورة دموية وحرب أهلية طاحنة وإرهاب ممنهج.
خيبة الأمل حولت الشاعر مرهف الحس إلى مقاتل... صار السلاح يحاول أن يحقق مالم تحققه الكلمات والمبادئ.. ومع الوقت نسى المقاتل المبدأ الذى كان يحارب من أجله عند بداية الرحلة، وصارت القوة هى الغاية والوسيلة فى نفس الوقت، وصار الخوف من الخيانة أقوى من احترام آدمية الإنسان. صار من قال فيما مضى "لا إكراه فى الدين" يقول "من بدل دينه فاقتلوه". صار يشك أن من ترك صلاة الجماعة ربما ذهب ليلتحق بمعسكر الأعداء.. صارت الحرب تجر حرباً وتُدِرّ ربحاً... صارت الفكرة الجميلة التى بنيت عليها الأيديولوجية فى الأساس مجرد إعلان لمنتج تجارى دخل كل الأسواق بقوة السلاح.. وصارت شهادة أن لا إله إلا الله التى جاءت لتحرر العباد من عبادة العباد، صارت مجرد كلمة منقوشة على علم فى مقدمة جيش يستعبد كل من يبسط سطوته على أراضيه..
هذا هو مصير كل أيديولوجية ترفض أن تقيّم نفسها بمعايير العقل والتجربة وتحاسب نفسها ماذا حققت وأين أخفقت!
هذا هو مصير كل أيديولوجية تقول "العيب مش فى النظرية.. العيب فى التطبيق"!
حامد عبد الصمد
No comments:
Post a Comment