Monday, March 16, 2015

الدول الإسلامية تخشى من الإلحاد

المجتمعات الشرقية في مصر والدول العربية متأثرة جدّا من الإسلام. ورغم ذلك، يعتبر الكثيرون أنفسهم ملحدين، أو "كفارا"، كما يتم وصفهم من قبل إخوانهم المسلمين. تعتبر الحكومات والمؤسسات الدينية ظاهرة الإلحاد تهديدا يجب القضاء عليه


لا يعلم أحد في مصر ما هو عدد سكان القاهرة، ناهيك عن النسبة الدقيقة بين عدد المسلمين وعدد المسيحيين. ومع ذلك، فإنّ كبار رجال الدين في 

الحكومة 


واثقون من حقيقة واحدة: إنّ عدد الملحدين في مصر كلّها هو 866 بالضبط؛ أي 0.001% من مجموع السكان تقريبا.





معنى هذا المعطى، الذي تمّ تحديده بشكل مثير للشبهات، أنّ في مصر هناك العدد الأكبر من الملحدين في العالم العربي كله، كما تقول دار الإفتاء - الجناح الرسمي للحكومة المصرية والذي ينشر الأوامر الدينية - استنادا إلى استطلاع تم نشره في شهر كانون الأول عام 2014 من قبل معهد استطلاع إقليمي. وفقا للاستطلاع، فقد وصلت المغرب، التي يصل عدد الملحدين فيها إلى 325، إلى المركز الثاني، وتم تحديد 32 ملحدا في اليمن فحسب.
عدد المؤمنين بالله في مصر كبير بشكل خاصّ، بشكل مماثل لجميع بلدان العالم العربي. ولكن التقدير العددي المنخفض أثار ردود فعل مبتهجة من قبل الملحدين والعلمانيين في مصر، الذين يقولون إنّ معدّل الملحدين قد ازداد بشكل تدريجي في البلاد. حتى تعريف الإلحاد وفق دار الإفتاء هو استثنائي وكوميدي جدّا. وفقا لرجال الدين في ذلك الجناح، فإنّ التعريف لا يشمل فقط من لا يؤمنون، وإنما أيضًا أولئك الذين يؤيّدون الدولة العلمانية والمسلمين الذين تحوّلوا إلى ديانات أخرى.
ويقف هذا المعطى المشكوك فيه يتيما ومهتزّا على ضوء الدراسات التي تقوم بها جامعة الأزهر في مصر، وهي الهيئة الفقهية السنّية 

الأكثر إثارة للإعجاب في العالم العربي. ففي استطلاع أجرته الجامعة عام 2014 جاء بأنّه وفقا لتقديرات الباحثين، تبلغ نسبة الملحدين 


في مصر نحو 12.3% من مجموع السكان العامّ في البلاد. ووفقا لحسابات رياضية بسيطة فالحديث عن أكثر من 10 ملايين 

مصري 

(يبلغ عدد سكان مصر: 87 مليون فرد). حتى في هذه الحالات يجب أخذ تلك البيانات بضمان محدود. ففي الشرق الأوسط، لا يجرؤ


الكثير من اليهود، المسيحيين أو المسلمين على القول علنًا إنّهم ملحدون ناهيك عن إعطاء معلوماتهم في استطلاع حكومي أو عام.


الملحدون في فيس بوك وتويتر
إذا أردنا أن نحكم وفقا للنشاط في مواقع التواصل الاجتماعي فقط فهي ظاهرة آخذة بالاتساع.
لعل المدوّن الريادي الأشهر في الخليج العربي هو الملحد الإماراتي أحمد بن كريشان. بعد انقطاعه عامَين عن التدوين، استأنف من جديد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تشرين الثاني/نوفمبر ‏2012‏ عبر الطلب من الناس أن "يفتحوا عيونهم"، مضيفاً أن "كل الأديان تكذب"، وأن "العلمانية يمكن أن تحرّر الأشخاص".

في الخليج العربي، غالباً ما يخلطون بين الإلحاد والعلمانية. كلاهما غير مقبولَين في المجتمع بدرجات مختلفة، إلا أن العلمانية، خلافاً للإلحاد، لا يعاقب عليها القانون. قبل بضعة عقود، لم تكن الأكثرية في الخليج قد سمعت بالعلمانية، فما بالكم بالإلحاد. وقد منح ظهور النفط حكومات الخليج فرصة مأسسة الممارسة الدينية في المجتمع وتوحيد معاييرها. فضلاً عن ذلك، ونظراً إلى تاريخ الإسلام في المنطقة، يربط كثرٌ في الخليج بقوّة بين الدين والهوية الوطنية. فأي ابتعاد عن الدين أو انتقاد له هو بمثابة ابتعاد عن الهوية الوطنية، وهذا ما تحرص الحكومات على التشديد عليه. وقد دفع انتشار الإسلام السياسي في أجزاء من العالم العربي ببعض الشبّان في تلك البلدان إلى النأي بأنفسهم عن الدين.
تتوسّع هذه الظاهرة ولم يعد هذا سرّا. تعرض البرامج التلفزيونية في مصر شرائح كاملة من النقاشات والجدليات بين الملحدين ورجال الدين، مثل الشاب أحمد حرقان.

ما الذي يدفع الشبان المسلمين باتجاه الإلحاد؟
ارتفع عدد الملحدين في العالم الإسلامي بلا حدود في أعقاب الربيع العربيّ عام 2011.تأسس العديد من صفحات الفيس بوك وحصل على تأييد كبير ومفاجئ. حصلت مجموعة تُسمي نفسها "الملحدين التونسيين" حتى الآن على 7400 إعجاب بينما حصلت مجموعة تُسمي نفسها "الملحدون السودانيون" على 3300 إعجاب. الحجة الرئيسية أنّ هناك عدد ضئيل بالنظر إلى عدد المسلمين في الشرق الأوسط، صحيحة ومتماسكة. ولكن مع ذلك فهي ظاهرة لم يشاهَد لها نظير: أشخاص يعرّفون أنفسهم كملحدين بشكل علنيّ، يرفعون محتويات إلحادية إلى الشبكة ولا يتردّدون في الجدل مع رؤساء المؤسسات الدينية. سمح الربيع العربيّ بشكل ما باختراق الانسداد الفكري وبالحرية في مشاركة المعتقدات المختلفة. تضغط هذه الظاهرة كثيرا على الحكومة المصرية، السعودية، الأردن والإمارات، ممّا يتطلّب منها مكافحة هذه الظاهرة وإرسال الأئمة ورجال الدين لتعليم الإيمان بالله والتوحيد.
وهناك أيضًا ميزة أخرى تُبعد الكثير من الشباب عن الدراسات المقدّسة والإسلام وهي: داعش. تجذب الدولة الإسلامية بشكل واضح مسلمين من جميع أنحاء العالم لتنظيمها العنيف بهدف إقامة الخلافة في العراق وسوريا. ولكن هنا أيضًا هناك شيء أكثر وضوحا: وهو معارضة الدولة الإسلامية في الإنترنت من قبل شبان مسلمين يصرّحون بمعارضتهم للحكم وفق قوانين الشريعة بل ويعلنون بفخر بأنّهم ملحدون.

تقول نادية عويدات، وهي عضو كبير في مؤسسة أمريكية الجديدة، والتي تتابع نشاط شبان عرب في الإنترنت، في مقابلة مع شبكة BBC إنّ الظاهرة تزداد توسّعا. "إنّ وحشية داعش تُفاقم من المشكلة بل وتدفع بعض الشبان المسلمين بعيدا عن الإسلام".

في شهر تشرين الثاني عام 2014، نشرت شبكة BBC مقالا حصل على شعبية كبيرة في أوساط العرب. تم افتتاح المقال بهذه 

الفقرة: "لاقى هاشتاغ يدعو لرفض تطبيق الشريعة الإسلامية رواجا في أوساط مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر 

والسعودية". هذا موضوع حسّاس في العديد من الدول الإسلامية، ولكن تم استخدام هاشتاغ "لماذا نرفض تطبيق الشريعة" في تويتر 


5,000 مرة في 24 ساعة. كان النقاش حول السؤال إذا ما كانت قوانين الشريعة ملائمة لحاجات الدول العربية وللنظم القضائية 

الحديثة. بدأت طبيبة مصرية تعيش في سويسرا بهذا النقاش. " لا أحمل شيئًا ضدّ الدين"، كما قالت لـ BBC، ولكنها أضافت بأنّها 

تعارض "استخدامها كنظام سياسي".


هناك صوت آخر يحظى باهتمام كبير وهو الأخ رشيد، وهو مغربي أسّس شبكة خاصة به في يوتيوب من أجل الكشف عن نماذج انعدام التسامح في المجتمعات الإسلامية، التي كان جزءًا منها.‎ ‎توجّه الأخ رشيد في مقطع فيديو رفعه إلى اليوتيوب، والذي حظي بأكثر من نصف مليون مشاهدة، إلى الرئيس أوباما قائلا: "أيها الرئيس العزيز، عليّ أن أقول لك إنّك مخطئ بخصوص داعش. قلتَ بأنّ داعش لا تتحدّث باسم أيّ دين. أنا مسلم سابق. والدي إمام. تعلّمت الإسلام خلال أكثر من 20 عاما. وأستطيع أن أقول لك بثقة بأنّ داعش تتحدّث باسم الإسلام. إنّ الأعضاء الـ 10,000 في داعش جميعهم مسلمين. إنّهم قادمون من دول مختلفة ولديهم شيء واحد مشترك وهو: الإسلام".
إنّ مقاطع داعش المصوّرة باسم الإسلام، حروبها المستمرّة في سوريا والعراق، رسائلها والطريقة التي تريد من خلالها إدارة الخلافة الإسلامية؛ تنفّر العديد من الشبان المسلمين، الذين يقرّرون التخلّي عن دينهم من أجل الإلحاد.
في ربيع عام 2014 (نيسان)، حدّدت المملكة العربية السعودية قائمة تعرّف بأعداء المملكة، وهي قائمة سوداء للتنظيمات الإرهابية. وقد تضمّنت القائمة كما هو معروف تنظيمات مثل داعش، الإخوان المسلمين والقاعدة، ولكن أيضًا هيئات تدعو وتنشط من أجل الإلحاد. وفقا لأحد بنود الأوامر الملكية: "إنّ الدعوة للإلحاد بأي شكل أو التشكيك بأحد مبادئ الإسلام التي تقوم عليها الدولة تمثّل عملا من أعمال الإرهاب".

No comments:

Post a Comment